كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأل في النواصي والأقدام ليسَتْ عِوَضًا مِنْ ضمير عند البَصْريين فالتقدير: بالنواصي منهم، وهي عند الكوفيين عِوَضٌ. والنَّاصِيَةُ: مُقَدَّمُ الرأسِ. وقد تقدَّم هذا مستوفى في هود. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: «ما لكم لا تَنْصُون مَيِّتكم»، أي: لا تَمُدُّون ناصِيته. والنَّصِيُّ مَرْعى طيب. وقولهم: (فلانٌ ناصيةُ القوم) يُحتمل أن يكونَ من هذا، يَعْنون أنه طيب مُنْتَفَعٌ به، أو مثلَ قولهم: هو رأسُ القوم.
{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)}.
قوله: {هذه جَهَنَّمُ}: أي: يُقال لهم و(أن) بمعنى: حار متناهٍ في الحرارة، وهو منقوصٌ كقاضٍ يُقال: أنى يَأْني فهو آن كقَضى يَقْضي فهو قاضٍ. وقد تَقَدَّمَ في الأحزاب. والعامَّةُ يَطوفون مِنْ طاف. وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن {يُطافُون} مبنيًا للمفعول، مِنْ أطافهم غيرُهم. والأعمش وطلحة وابن مقسم {يُطَوِّفُون} بضمِّ الياء وفتح الطاءِ وكسرِ الواوِ مشددةً، أي: يُطَوِّفُون أنفسَهم. وقرأت فرقةٌ {يَطَّوَّون} بتشديد الطاء والواو. والأصلُ: يتطَوَّفون.
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)}.
قوله: {مَقَامَ رَبِّهِ}: يجوزُ أَنْ يكونَ مصدرًا، وأَنْ يكونَ مكانًا. فإِنْ كان مصدرًا، فيُحْتمل أَنْ يكونَ مضافًا لفاعلِه، أي: قيامَ ربِّه عليه وحِفْظَه لأعمالِه مِنْ قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] ويُرْوَى هذا المعنى عن مجاهد، وأن يكونَ مضافًا لمفعولِه. والمعنى: القيام بحقوق الله فلا يُضَيِّعُها. وإنْ كان مكانًا فالإِضافةُ بأَدْنى مُلابسة لَمَّا كان الناسُ يقومون بين يَدَيِ اللّهِ تعالى للحاسب في عَرَصات القيامة. قيل: فيه مَقامُ الله. والظاهرُ أن الجنَّتَيْن لخائفٍ واحدٍ. وقيل: جنةٌ لخائفِ الناسِ، وأُخرى لخائفِ الجنِّ، فيكون من بابِ التوزيعِ. وقيل {مَقام} هنا مُقْحَمٌ والتقدير: ولِمَنْ خاف ربَّه وأنشد:
.......... ونَفَيْتُ عنه ** مَقامَ الذِّئْبِ كالرَّجُلِ اللعينِ

أي: نَفَيْتُ الذئبَ، وليس بجيدٍ؛ لأنَّ زيادةَ الاسمِ ليسَتْ بالسهلة.
{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)}.
قوله: {ذَوَاتَآ}: صفةٌ ل {جَنَّتان}، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هما ذواتا. وفي تثنية (ذات) لغتان: الردُّ إلى الأصلِ، فإنَّ أصلَها (ذَوْيَة) فالعينُ واوٌ، واللامُ ياءٌ، لأنَّها مؤنثةُ ذو. والثانية: التثنيةُ على اللفظِ فيُقال: ذاتا.
والأَفْنان: فيه وجهان، أحدُهما: أنه جمعُ فَنَن كطَلَل وهو الغُصْنُ. قال النابغة الذبياني:
بكاءَ حمامةٍ تَدْعو هَدِيلًا ** مُفَجَّعةٍ على فَنَنٍ تُغَنِّي

وقال آخر:
رُبَّ وَرْقاءَ هَتُوفٍ بالضُّحى ** ذاتِ شَجْوٍ صَدَحَتْ في فَنَنِ

وقال آخر:
على كلِّ أفنانِ العِضاهِ تَرُوْقُ

والثاني: أنه جمعُ فَنّ كدَنّ، وإليه أشار ابنُ عباس. والمعنى: ذواتا أنواعٍ وأشكالٍ. وأنشدوا:
ومِنْ كلِّ أفنانِ اللَّذاذَةِ والصِّبا ** لَهَوْتُ به والعيشُ أخضرُ ناضِرُ

إلاَّ أنَّ الكثيرَ في (فَنّ) أَنْ يُجْمع على (فُنون).
{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)}.
قوله: {مُتَّكِئِينَ}: يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا مِنْ (مَنَ) في قوله: {ولِمَنْ خافَ}، وإنَّما جُمعَ حَمْلًا على معنى (مَنْ) بعد الإِفراد حَمْلًا على لفظها. وقيل: حالٌ عامِلُها محذوفٌ أي: يَتَنَعَّمون مُتَّكئين. وقيل: منصوبٌ على الاختصاصِ. والعامَّةُ على {فُرُش} بضمَّتين. وأبو حيوة بضمةٍ وسكونٍ وهي تخفيفٌ منها.
قوله: {بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً. والظاهر أنَّها صفةٌ ل {فُرُش}. و{مِنْ إستبرق} قد تَقَدَّم الكلام في الاستبرق وما قيل فيه في سورة الكهف. وقال أبو البقاء هنا: أصلُ الكلمةِ فِعْلٌ على اسْتَفْعَلَ فلمَّا سُمِّي به قُطِعَتْ همزتُه. وقيل: هو أعجميُّ. وقرِىء بحَذْفِ الهمزةِ وكسر النونِ، وهو سَهْوٌ؛ لأنَّ ذلك لا يكون في الأسماءِ بل في المصادرِ والأفعال. انتهى. أمَّا قوله (وهو سهوٌ لأن ذلك لا يكون) إلى آخرِه، يَعْني أنَّ حَذْفِ الهمزةِ في الدَّرْجِ لا يكونُ إلاَّ في الأفْعال والمصادرِ، وأمَّا الأسماءُ فلا تُحْذَفُ هَمَزاتُها لأنَّها هَمَزات قَطْعٍ. وهذا الكلامُ أحقُّ بأن يكونَ سَهْوًا؛ لأنَّا أولًا لا نُسَلِّمُ أنَّ هذه القراءة مِنْ حَذْفِ همزةِ القطعِ إجراءً لها مُجْرى همزةِ الوَصْلِ. وإنَّما ذلك مِنْ بابِ نَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى الساكن قبلَها، وحركةُ الهمزةِ كانَتْ كسرةً فحركةُ النونِ حركةُ نَقْلٍ لا حركةُ التقاءِ ساكنين. ثم قوله: (إلاَّ في الأفعال والمصادرِ) ليس هذا الحصرُ بصحيح اتفاقًا لوجودِ ذلك في أسماءٍ عشرةٍ ليسَتْ بمصادرَ، ذكرْتُها في أولِ هذا الموضوع.
قوله: {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} مبتدأٌ وخبرٌ. ودانٍ أصلهُ دانِوٌ مثلَ غازٍ، فأُعِلَّ كإِعلالِه. وقرأ عيسى بن عمر {وجَنِيَ} بكسر النون. وتوجيهُها: أن يكونَ أمال الفتحة لأجل الألف، ثم حذف الألف لالتقاءِ السَّاكنين، وأبقى إمالة النون فَظُنَّتْ كسرةً. وقرئ: {وجِنَى} بكسر الجيم، وهي لغة. والجَنى: ما يُقْطَفُ من الثمار. وهو فَعَل بمعنى مَفْعُول كالقَبَض والنَقَص.
{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)}.
قوله: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ}: اختُلِفَ في هذا الضمير، فقيل: يعود على الجنات، فيقال: كيف تَقَدَّمَ تثنيةٌ ثم أُتِي بضمير جَمْع؟
فالجوابُ: أنَّ أقلَّ الجمعِ اثنان على قول، وله شواهدُ قد تقدَّم أكثرُها. وإمَّا أن يقال: عائدٌ على الجنات المدلولِ عليها بالجنتْين، وإمَّا أَنْ يقال: إنَّ كل فردٍ فردٍ له جنتان فصَحَّ أنها جناتٌ كثيرة، وإمَّا أنَّ الجنةَ تشتمل على مجالسَ وقصورٍ ومنازلَ فأطلقَ على كلِّ واحدٍ منها جنة. وقيل: يعودُ على الفُرُش. وهذا قول حَسَنٌ قليلُ الكُلْفَةِ.
وقال الزمخشري: ( {فيهِنَّ} في هذه الآلاءِ المعدودة من الجنَّتَيْن والعينَيْن والفاكهةِ والفُرُشِ والجَنَى). قال الشيخ: (وفيه بُعْدٌ) وكان قد اسْتَحْسَنَ الوجهَ الذي قبله. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الاستعمالَ أَنْ يُقال: على الفِراش كذا، ولا يقال: في الفِراش كذا إلاَّ بتكلُّف؛ فلذلك جَمَعَ الزمخشريُّ مع الفُرُش غيرَها حتى صَحَّ له أَنْ يقول: {فيهن} بحرف الظرفيَّة، ولأن الحقيقةَ أنَّ الفُرُشَ يكون الإِنسانُ عليها؛ لأنه مُستَعْلٍ عليها. وأمَّا كونُه فيها فلا يقال إلاَّ بمجازٍ. وقال الفراء: كلُّ موضع في الجنةِ جنةٌ، فلذلك صَحَّ أَنْ يُقال: فيهِنَّ، والقاصِراتُ: الحابساتُ الطرفِ، أي: أعينُهُنَّ عن غيرِ أَزْواجهن. ومعناه: قَصَرْنَ ألحاظَهُنَّ على أزواجِهنَّ. قال امرؤ القيس:
مِن القاصِراتِ الطَّرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ ** من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا

وقاصراتُ الطرفِ: مِنْ إضافةِ اسم الفاعلِ لمنصوبِه تخفيفًا إذ يقال: قَصَرَ طَرْفَه على كذا. وحُذِف متعلَّقُ القَصْرِ للعلمِ به، أي: على أزواجِهِنَّ، كما تقدَّم تقريرُه. وقيل: المعنى: قاصراتٌ طَرْفَ غيرِهن عليهنَّ، أي: إذا رآهن أحدٌ لم يتجاوَزْ طرفُه إلى غيرِهنَّ.
قوله: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} هذه الجملةُ يجوز أَنْ تكونَ نعتًا لقاصِرات؛ لأن إضافتَها لفظيةٌ، كقوله: {هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] ووقوله:
يا رُبَّ غابطِنا لو كان يَطْلُبُكمْ

وأَنْ تكونَ حالًا لتخصُّصِ النكرةِ بالإِضافة. واخْتُلِفَ في هذا الحرفِ والذي بعدَه عن الكسائيِّ: فنُقِل عنه أنَّه كان يُخَيِّرُ في ضَمِّ أيِّهما شاءَ القارئ. ونَقَل عنه الدُّوريُّ ضمَّ الأولِ فقط ونَقَل عنه أبو الحارث ضمَّ الثاني فقط، وهما لغتان. يُقال: طَمَثَها يَطْمِثُها ويَطْمُثُها إذا جامَعَها. وأصلُ الطَّمْثِ: الجماعُ المؤدِّي إلى خروجِ دمِ البِكْرِ، ثم أُطْلِقَ على كلِّ جِماع: طَمْثٌ، وإنْ لم يَكُنْ معه دمٌ. وقيل: الطَمْثُ دَمُ الحَيْضِ أو دمُ الجِماع. وقيل: الطَمْثُ المَسُّ الخاص. وقرأ الجحدري {يَطْمَثْهُنَّ} بفتح الميم في الحرفَيْن، وهو شاذٌّ إذ ليسَتُ عينُه ولا لامُه حرفَ حَلْقٍ. والضميرُ في {قبلَهُمْ} عائدٌ على الأزواجِ الدالِّ عليهم قوله: {قاصراتُ الطَّرْفِ} أو الدالِّ عليه {مُتَّكئين}.
{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)}.
قوله: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت}: هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكون نعتًا لقاصِرات، وأن تكونَ حالًا منها. ولم يَذْكُرْ مكيٌّ غيرَه. والمَرْجان تقدَّم ما هو؟ والياقوتُ: جوهرٌ نفيسٌ. يُقال: إن النارَ لم تُؤَثِّرْ فيه، ولذلك قال الحريري:
وطالما أُصْلِيَ اليقاوتُ جَمْرَ غَضَا ** ثم انْطفا الجمرُ والياقوتُ ياقوتُ

أي: باقٍ على حالِه لم يتأثَّرْ بها. ووجهُ التشبيهِ كما قال الحَسَنُ. في صفاءِ الياقوتِ وبياضِ المَرْجان. وهذا على القول بأنه أبيضُ وقد تقدَّم، وقيل: الوجهُ في... ونفاسَتِهما ولذلك سَمَّوْا بمَرْجانة ودُرَّة وشبهِ ذلك.
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)}.
وقرأ ابن أبي إسحاق: {إلاَّ الحِسانُ}، أي: إلاَّ الحُوْرُ الحِسان.
{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)}.
قوله: {وَمِن دُونِهِمَا}: أي: مِنْ دونِ تَيْنَكَ الجَنَّتَيْن المتقدِّمتين: جَنَّتان في المنزلةِ وحُسْنِ المنظرِ. وهذا على الظاهر مِنْ أنَّ الأُوْلَيَيْنِ أفضلُ من الأُخْرَيَيْنِ. وقيل بالعكس، ورَجَّحه الزمخشري.
{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)}.
والنَّضْخُ: فوق النَّضْحِ بالحاءِ، لأنَّ النَّضْحَ بالحاءِ: الرَّشُّ والرَّشْحُ، والنَّضْخُ بالخاء: فَوَرانُ الماء. والادْهِيْمامُ: السَّوادُ وشدةُ الخضرةِ، جُعِلا مُدْهامَّتيْن لشدَّة رِيِّهما، وهذا مُشاهَدٌ بالنظر، ولذلك قالوا: (سوادُ العراق) لكثرةِ شَجَره وزروعِه.
{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)}.
قوله: {وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}: استدلَّ بعضُهم بها على أنهما ليسا من الفاكهة لاقتضاءِ العطفِ المغايرة. فلو حَلَفَ: (لا يأكلُ فاكهةً) لم يَحْنَثْ بأَكْلهما. وبعضُهم يقول: هو من باب ذِكْر الخاص بعد العام تفصيلًا له كقوله: {وملائكته} [البقرة: 97] ثم قال: {وجبريلَ وميكَال} وهو تَجَّوُّزٌ؛ لأنَّ فاكهة ليس عامًَّا؛ لأنه نكرةٌ في سياقِ الإِثْبات، وإنما هو مُطْلَقٌ، ولكنْ لَمَّا كان صادقًا على النخل والرمَّان قيل فيه ذلك.
{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)}.
قوله: {خَيْرَاتٌ}: فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه جمعُ (خَيْرَة). بزِنةِ فَعْلَة بسكونِ العين. يقال: امرأةٌ خَيْرَةٌ وأخرى شَرَّةٌ. والثاني: أنه جمعُ خَيْرة المخففة مِنْ خَيِّرة. ويَدُلُّ على ذلك قراءة ابن مقسم واليزيدي وبكر بن حبيب {خَيِّرات} تشديد الياء. وقرأ أبو عمروٍ {خَيَرات} بفتح الياء جمع (خَيْرَة) وهي شاذَّةٌ، لأن العين معتلةٌ؛ إلاَّ أن بني هُذَيلٍ تُعامِله معاملةَ الصحيح فيقولون، جَوَزات وبَيَضات وأُنْشِد:
أخو بَيَضاتٍ رائِحٌ مُتَأَوِّبُ ** رفيقٌ بمَسْحِ المَنْكِبَيْنِ سَبُوْحُ

{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)}.
و{مَقْصورات}، أي: مَحْبوسات، ومنه (القَصْر) لأنه يَحْبِسُ مَنْ فيه، ومنه قول النحاة (المقصور) لأنه حُبِس عن المدِّ أو حُبس عن الإِعراب، أو حُبِس الإِعرابُ فيه، والنساء تُمْدَحُ بملازَمَتِهِنَّ البيوتَ كما قال أبو قيس بن الأسلت:
وتَكْسَلُ عن جيرانِها فيَزُرْنَها ** وتَعْتَلُّ عن إتْيانِهِنَّ فتُعْذَرُ

ويقال: امرأةٌ مَقْصورة وقَصيرة وقَصورة، بمعنىً واحد. قال كثير عزة:
وأنتِ التي حَبَّبْتِ كلَّ قصيرةٍ ** إليَّ ولم تَعْلَمْ بذاك القَصائرُ

عَنَيْتُ قصيراتِ الحِجالِ ولم أُرِدْ ** قِصارَ الخُطا شَرُّ النساءِ البَحاتِرُ

و{الخِيام}: جمعُ خَيْمة وهي تكونُ مِنْ نَمَّام وسائرِ الحَشيش، فإنْ كانَتْ مِنْ شَعْرٍ فلا يُقال لها: خَيْمةٌ بل بَيْتٌ. وقال جرير:
متى كان الخيامُ بذي طُلوحٍ ** سُقِيْتِ الغَيْثَ أيتها الخيامُ

{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)}.
قوله: {رَفْرَفٍ}: الرَّفْرَفُ جمع رَفْرَفَة فهو اسمُ جنسٍ. وقيل: بل هو اسمُ جمعٍ، نقلهما معًا مكيٌّ، وهي ما تَدَلَّى من الأسِرَّة مِنْ عالي الثياب. وقال الجوهريُّ: (ثيابٌ خُضْرٌ يُتَّخَذُ منها المجالِسُ، الواحدةُ رَفْرَفة) واشتقاقُه مِنْ رَفَّ الطائرُ: أي: ارتفع في الهواء. ورَفْرَفَ بجناحَيْه: إذا نَشَرهما للطيران ورَفْرَفُ السَّحابِ هُبوبُه، ويَدُلُّ على كونه جمعًا وصفُه بالجمع. وقال الراغب: رفيفُ الشجر: انتشارُ أغصانِه. ورَفَّ الطائرُ: نَشَرَ جناحَه يَرِفُّ بالكسرِ. ورَفَّ فَرْخَه يَرُفُّه بالضم تَفَقَّده، ثم اسْتُعير للتفَقُّدِ. ومنه (ماله حافٌّ ولا رافٌّ)، أي: مالَه مَنْ يَحُفُّه ويتفقَّدُه. والرَّفْرَفُ: المنتشِرُ من الأوراقِ. وقوله: {على رَفْرَفٍ خُضْرٍ}: ضَرْبٌ من الثياب مُشَبَّه بالرياض. وقيل: الرَّفْرَفُ طرفُ الفُسْطاطِ والخِباءِ الواقعِ على الأرض دونَ الأَطنْابِ والأوتادِ. وذكر الحسن أنه المَخادُّ. انتهى. وقال ابن جُبير: رياضُ الجنَّة، مِنْ رَفَّ البيتُ إذا تَنَعَّمَ وحَسُن. وعن ابن عُيَيْنة هي الزَّرابِيُّ. ونُعِت هنا بخُضْر لأنَّ اسمَ الجنسِ يُنْعَتُ بالجمعِ كقوله: {والنخل بَاسِقَاتٍ} [ق: 10] وبالمفرِد. وحَسَّنَ جَمْعَه هنا جَمْعُ حِسان. وقرأ العامة: {رَفْرَفٍ} وقرأ عثمان بن عفان ونصر ابن عاصم وعاصم والجحدري والفرقبي وغيرهم {رَفارِفَ خُضْرٍ} بالجمع وسكونِ الضاد. وعنهم أيضًا {خُضُرٍ} بضم الضاد وهو إتباعٌ للخاء. وقيل: هي لغةٌ في جمع أَفْعَلَ الصفةِ. وأُنْشد لطرفة:
أيها الفتيانُ في مَجْلِسِنا ** جَرِّدُوا منها وِرادًا وشُقُرْ

وقال آخر:
وما انْتَمَيْتُ إلى خُوْرٍ ولا كُسُف ** ولا لئامٍ غداةَ الرَّوْع أَوْزاعِ

وقرؤوا {عباقِرِيَّ} بكسر القاف وفتحِها وتشديدِ الياءِ متوحةً على مَنْعِ الصرفِ. وهي مُشْكِلَةٌ؛ إذ لا مانعَ من تنوينِ ياءَيْ النسَبِ، وكأنَّ هذا القارئ تَوَهَّمَ كَوْنَها في مَفاعِل فمنعَها من الصرفِ. وقد رَوَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وجماعةٍ {وعباقِرِيٍّ} منونًا ابنُ خالويه ورُوِي عن عاصمٍ {رَفارِفٍ} بالصرف. وقد يُقال في مَنْ مَنَعَ {عباقِرِيَّ} إنَّه لما جاوزَ {رفارِفَ} الممتنعَ امتنع مُشاكلةً. وفي مَنْ صَرَفَ رفارِفَ: إنَّه لما جاوَزَ عباقِريًَّا المنصرفَ صَرَفَه للتناسُب ك {سَلاسلًا وأَغْلالًا} [الإِنسان: 4] كما سيأتي.
وقرأ أبو محمد المروزي وكان نَحْويًا {خَضَّارٍ} كضَرَّاب بالتشديد. وأَفْعَلُ وفَعَّالٌ لا يُعْرَفُ.
والجمهورُ {وعَبْقِرِيٍّ} منسوب إلى عَبْقَر، تَزْعُم العربُ أنه بلدُ الجن فكلُّ ما عَظَّموه وتعجَّبوا منه قالوا: هذا عَبْقريٌّ. وفي الحديث: «فلم أرَ عَبْقَريًَّا يَفْري فَرِيَّه» والمرادُ به هنا قيل: البُسُط التي فيها صُوَرٌ وتماثيلُ. وقيل: هي الزَّرابِيُّ. وقيل: الطَّنافِسُ. وقيل: الدِّيباج. وعَبْقريّ جمع عَبْقَريَّة، يعني فيكونُ اسمَ جنسٍ، كما تقدَّم في رَفْرفَ. وقيل: هو واحدٌ دالٌّ على الجمع، ولذلك وُصِف بحسان.
{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)}.
قوله: {ذِي الجلال}: قرأ ابن عامر {ذو الجَلال} بالواو، وجَعَله تابعًا للاسم، وهكذا هي مرسومةٌ في مصحف الشاميين. والباقون بالياء صفةً للرَّبِّ، فإنه هو الموصوفُ بذلك، وأَجْمَعوا على الواوِ في الأول إلاَّ مَنْ ذكَرْتُه فيما تقدَّم. اهـ.